تنقسم الذرة، باعتبارها اللبنة الأساسية لكل المواد، إلى ثلاثة مكونات رئيسية تلعب أدوارًا محورية في تحديد خصائص العناصر الكيميائية. تشكل الإطار الرئيسي لهذه البنية هو النواة، التي تحتضن بروتونات مشحونة إيجابياً ونيوترونات عديمة الشحنة. تبقى البروتونات ثابتة نسبياً في مكانها بسبب قوة نووية شَدِيدة للغاية تضمن ارتباطها وثيقاً بنظرائها ضمن نفس النواة. أما النيوترونات فهي تساعد أيضًا في تثبيت البروتونات ولكن بوساطتها الخاصة بالقصور الذاتي وليس عبر تلك القوة النووية القوية نفسها.
وتدور حول هيكل النواة مجموعة غزيرة ومتعددة من الإلكترونات، وهي جسيمات كهرومغناطيسية سلبية الشحنة، مما يشكل ما يعرف بالأغلفات المدارية. تحلق هذه الإلكترونات بسرعات هائلة تفوق حدود تصور البشر، وتتناغم حركاتها بدقة متناهية لتشكيل نظام دقيق ومعقد للغاية يصعب حتى وصفه باستخدام تعبير "الدوران". وعلى الرغم من كون مساحتها المكانية ضيقة بشكل مذهل إلا أنها تتمتع بحرية الحركة فيما يسمى بالمستويات الطاقة المختلفة للأغلفة المدارية المتعاقبة.
وفي قلب كل بروتون ونصف كل نيوترون تكمن وحدات بناء أساسية أكثر تطورا تسمى بكواركات - جزيئات أولية كانت تعتبر ذات يوم الحلقة الأخيرة للجسيمات دون ذرية. لكن الاكتشاف الرائع لكواركات أثبت وجود عالم رقمي رفيع وفريد تمامًا داخل عناقيد الجاذبية الصغيرة للدواليون والنترونيين. ورغم قدرتهم على التواصل والتفاعل كوحدة واحدة داخل نواة الذرة فإن القوة اللازمة لإبعاد کوآكت واحد عن آخر محدود بشدة بسبب عمق تأثير تلك القوة النووية الهائلة ذات المدى القصير.
إن المقارنات بين الأحجام المختلفة لمكونات الذرة توضح مدى ضخامة الفجوات في مستوى الرؤية لدينا عندما نتعمق نحو مجالات أصغر. فعند جمع ملايين بل مليارات الذرات لتكوين مواد مثل أجسادنا فلن نتمكن برغم ذلك من رؤية تراكب كامل لبنية الذرة نظرًا لقصر المسافات الفاصلة بينهما بما قد يصل لحجم حبات الغبار الدقيقة بمليميتر مظروف. وكذلك الأمر بالنسبة للنوى النجمية المضغوطة جدًا عقب نهاية دورة حياتها النووية المنبعثة فيها طاقة الضوء وتتغير سماتها الفيزيائية جذريًا لتصبح أقزام بيضاء براقة وكثيفة أو ربما تنتقل مباشرة لأحد مراحل الانكماش النهائية لتصبح قلوب سوداء جامدة وغير لامعة حقا! إنها الرحلة الخفية نحو القلب الخفى للحياة ولكنه طريق محفوف بالتحدى أمام علماء الفلك وعالم الفيزياء الحديثة والأكثر موضع دراسة وإبهارا لعقول العالم اليوم!